aby

السبت، 27 مارس 2010

مصنع منزلي.. للمفتول

مصنع منزلي.. للمفتول


إذا كانت زوجتك ماهرة في صنع الطعام؛ فلا تمنعها من إنشاء مصنع منزلي تساعدك من خلاله على المعيشة.. وتظهر من خلاله إبداعاتها الاقتصادية.. وهو ما فعلته نساء فلسطينيات استغللن مهاراتهن في عمل أكلة المفتول التي تُصنع من دقيق الذرة ليؤسسن عليها مصنعًا صغيرًا في بيوتهن، يدر عليهن دخلا وفيرا يواجهن به الأزمات. ففي أحد بيوت حي الشيخ رضوان في مدينة غزة، تجد أم رامز وقد تربعت أمام طبق من الألومنيوم كبير وتلاعب أصابعها الدقيق بخفة وكأنها راقصة باليه، لتحوله إلى حبات صغيرة متساوية كالخرز، وبجوارها ابنتها تفرك بقوة حبات المفتول الكبيرة لتخرجه بعنوة من فتحات الكربالة.
بدأت رحلة هذه السيدة مع المفتول في عام 1989 بعدما مرض زوجها، وتوقف عن العمل لينقطع مصدر الرزق الوحيد للأسرة التي تتكون من 12 طفلا، خلافا للأب والأم.
لم يكن أمام أم رامز وهي ترى هذه الأفواه الاثنى عشر التي تطلب تعليما وأكلا وملبسا إلا البحث عن عمل تجيده وورثته عن جدتها وأمها وهو صناعة المفتول التي تحتاج فقط إلى مهارة.
أما أدوات صناعة المفتول البيتية فهي ليست مكلفة، ولا تتطلب سوى موقد نار، كربالة (غربال مصنوع من السلك الناعم، وذو فتحات ضيقة)، اللقان (وعاء مستدير مصنوع من الفخار بعمق يتراوح 30سم، ويمكن أن يستخدم بدلا من صحن كبير مصنوع من الألمنيوم.. لكن عملية الفتل في الوعاء المصنوع من الفخار أسهل وأسرع)، وعاء (لوضع الماء المملح فيه ليرش على الدقيق أثناء عملية الفتل لتكويره)، مفتولية (وعاء من الألمنيوم ويوضع علية مصفاة أيضا من الألمنيوم).
تقوم أم رامز بوضع ماء في وعاء الألومنيوم ثم تضع المصفاة عليه لتكون محكمة وتحافظ على بخار الماء بحيث لا يخرج بعيدا عن المفتول، ويوضع المفتول في المصفاة ويترك لمدة تزيد عن نصف ساعة بقليل بعد أن يغلي الماء ويخرج البخار من وسط حبات المفتول، عندها تقوم أم رامز بتحسس المفتول ودرجة النضج الأولى، فإذا أدركت أنه لا يلتصق ببعضه، وأصبحت الحبة منه متماسكة تشعر أن المفتول قد نضج في مرحلته الأولى، وتعاد هذه المرحلة مرة أخرى حتى يتم النضج النهائي ثم يوضع المنتج في أكياس نهائية جاهزة للتوزيع.
خطة تسويقية
لم تقف أم رامز عند ذلك بل أعدت خطة تسويقية لمنتجها، وذلك بالاتفاق مع جمعية الإغاثة الزراعية التي أعطتها الترخيص للقيام بهذا العمل، من جهة أخرى بدأت السيدة الفلسطينية في توسيع تسويقها حيث يقوم زوجها وأبناؤها بعرض أكياس المفتول على المحلات.
وتوفر صناعة المفتول لأسرة أم رامز ربحا جيدا؛ فثمن كيلو المفتول في مرحلته الأولى 5.5 شيكلات (الدولار= 5 شيكلات تقريبا)، أما تكلفته فهي ثمن كيلو الدقيق من 1.5 شيكل، يضاف إليها ثمن الجهد والأدوات المستخدمة، وعملية التغليف ويقدر ذلك بـ 2 شيكل، ويكون الربح في كل كيلو 2 شيكل تقريبا.
وأم رامز هي نفسها حال أم نضال وغيرهن من الذين يرتبطن بتعاونية الشيخ رضوان التي تنتج 15 طنا سنويا للتسويق المحلي و30-40 طنا للتسويق الخارجي.
رغم مشقة هذه المهنة فإنها عزيزة على قلب أم رامز؛ فقد أصبحت المصدر الرئيسي لمعيشتها ومنها استطاعت تربية أبنائها وتعليمهم في الجامعات، وتتمنى أن تشتري قطعة أرض وتقيم مصنعا لصناعة المفتول يشرف عليه أبناؤها، ويكون ذكرى لسنوات شقاء والدتهم.
أما السيدة أم صلاح -51 عاما- من سكان معسكر جباليا إحدى أفراد تعاونية المروج الخضراء فقد اضطرت إلى العمل في صناعة المفتول لأسباب عدة، منها أن زوجها مشلول ومريض ويحتاج إلى علاج شهري بـ400 شيكل، وابنها البكر مقطوعة به السبل في ليبيا، وحالته الاقتصادية سيئة؛ لذلك فكرت في إنشاء جمعية بمساعدة ثلاث سيدات تعرف أنهن في أمسّ الحاجة إلى الشيكل مثلها.
وتحت إشراف ومتابعة ومساعدة جمعية الإغاثة بدأت أم صلاح العمل في شهر يونيو من العام الحالي.. حيث تم مدها بقرض قيمته 6 آلاف دولار على شكل أدوات، إضافة إلى ألف دولار نقدا لتجهيز مكان لصنع المفتول، وبالفعل بدأت في العمل، وتتمنى أن يوفقها الله لتعول عائلاتها.
معايير الجودة
المفتول معبأ في صورته النهائية 
نظرا لأن الصناعة المنزلية في فلسطين ازدادت تحت ظروف الحصار؛ فقد وضعت الجمعيات الفلسطينية والتعاونيات التابعة لها معايير جودة، فيشير شفيق الدحدوح مراقب جودة إنتاج المفتول أن جمعية الإغاثة استطاعت المحافظة على جودة عالية للمفتول؛ حيث تخضع عملية التصنيع لفحوصات مخبرية، وكيميائية لقياس نسبة الرطوبة والرماد، وكذلك فحوصات ميكروبية لقياس نسبة البكتيريا والفطريات والخمائر والبكتيريا الممرضة؛ للتأكد من صلاحية استخدامها للاستهلاك حسب مواصفات عالمية؛ إذ يتم اختيار عينة عشوائية من إنتاج كل تعاونية لفحصها في المختبر بشكل دوري. ويؤكد أنه يتم شرح الشروط الصحية الواجب توافرها في القائمين على التصنيع المنزلي وبعدهم عن السلوك والعادات السيئة، والحرص على نظافة التعاونيات.. كما تشمل التوعية إرشادات عن صحة مكان التصنيع ومكان التجفيف؛ حيث يراعى خلوه من الطيور والأجسام الغريبة والرمال، وأن يكون السطح الذي يستخدم للتجفيف أملس يسهل تنظيفه وتعقيمه، مع المتابعة اليومية لغسل وتعقيم الآلات بعد الاستخدام.. إضافة إلى توضيح شروط التخزين السليمة في أماكن بعيدة عن الشمس جافة غير رطبة، مستدركا أن الهدف الأساسي للمتابعة المستمرة والدورية هو المحافظة على الجودة العالمية للمفتول لضمان تسويقه في السوق الأوروبية ولاستمرار بقاء هذا المشروع كمصدر للرزق.
وتقول مرفت حسونة منسقة برنامج التعاونيات بجمعية الإغاثة الزراعية: إن برنامج التعاونيات تطور بصورة كبيرة؛ حيث بدأ كمشروع صغير عام 1986، واليوم أصبح من أكبر المشاريع الإنتاجية البيتية، وباتت تعاونيات المفتول تسد حاجة السوق المحلية، ويصدر إلى الخارج خاصة فرنسا وإيطاليا.. وهناك إمكانية لعقود تصدير إلى النرويج وفتح خطوت تسويق أخرى في منطقة الخليج.
وتشير مرفت إلى المشروع بدأ بتعاونية ليصل في نهاية عام 2001 إلى 47 تعاونية في الضفة وقطاع غزة.
وطبقا لإحصاءات جمعية الإغاثة فإن تعاونيات قطاع غزة تنتج سنويا أكثر من مائة طن مفتول، كما بلغ إجمالي عائدات النساء في هذه التعاونيات حوالي نصف مليون شيكل تقريبا؛ وهو ما وفّر فرص دخل لـ 210 أسر في كل الأحوال.. فالأمهات الفلسطينيات يصنعن دخولهن من بيوتهن.. وصدق رسول الله صلي الله عليه وسلم حينما قال: "اليد العليا خير من اليد السفلي..." رواه البخاري


المصدر
إسلام أون لاين



.

ليست هناك تعليقات: